ما بعد كورونا : تنمية جماعية وفاعلية فردية
ما بعد كورونا : تنمية جماعية وفاعلية فردية
يمكن القول مع ظهور فيروس كورونا في الصين، لم يتوقع أحد أن يصبح ظاهرة كونية ليس لها مثالا في تاريخ البشرية من حيث الامتداد و التأثير الشامل على عدة مستويات. حيث شهدت الحركة الاقتصادية الدولية ركودا حادا، وتوقفت الرحلات الجوية والبحرية والبرية بين معظم دول المعمور وشلت قطاعات اقتصادية بأكملها. واضطرت المجتمعات البشرية كلها ولأول مرة لفرض الحجر الصحي حيث قطعت مع جميع ما عهدته من فعاليات جماعية، وفرضت على الأفراد التباعد الاجتماعي والرجوع والركون الى منازلهم و التواصل من خلال الوسائل الالكترونية.
.لقد كشفت هذه الأزمة عن القيم الأصيلة للشعب المغربي. حيث عبر المغاربة كعادتهم عن تضامنهم وتآزرهم وانخراطهم في الوقوف وراء ملكهم محمد السادس نصره الله بفضل السياسة الإستباقية التي أمر بها وواكبها، حيث في الوقت المناسب وبدون أدنى تردد اختار صحة المواطن المغربي على صحة الاقتصاد الوطني.
ولعل هذا الدرس المهم نتيجة هذه الخطوات هو أن الجميع أصبح اليوم يقر بأهمية تطوير امكانياتنا لجعل دولتنا قوية ذات قدرة ذاتية لمواجهة مثل هذه الازمات، حيث اصبح واضحا أن طبيعة الوباء فرضت واقعا اقتصاديا و اجتماعيا جديدا نظرا لتوجه دول العالم الى فرض الحجر الصحي و سن سياسات للتباعد الاقتصادي و التضامني التي لا ينفع معها الا الاعتماد على الذات والرهان على جودة البنية الداخلية و قوة التضامن والتازر والتكافل بين مختلف شرائح الشعب المغربي.
من الحسنات الأخرى لهذا الاختبار هو تفجير طاقات الابداع والابتكار التي أثارت الاعجاب لدى العديد من المتابعين، حيث تمكن الشباب المبدع لبلادنا من ابتكار أدوات و أليات صحية و وقائية لمواجهة تفشي الفيروس.
بمقابل هذه المظاهر الايجابية والباعثة على الفخر والارتياح، هناك العديد من النقاط التي تحتاج الى مزيد من العمل لتجاوز آثارها السلبية، ولعل من أهم هذه النقاط هو هشاشة فئات واسعة من المواطنين و الذين أبانت هذه المحنة عن عوزهم الشديد وافتقادهم للحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة والاستمرار الآمن. كما أبرزت هده التجربة عن مخاطر الارتباط غير المدروس بسلاسل الانتاج الدولية والتفريط ببعض القطاعات الحيوية لاسيما مصادر الطاقة والمواد الغذائية والمواد الطبية ووسائل الدفاع الوطني. كما ابانت التجربة عن حالة العطالة و عدم قدرة بعض القطاعات العمومية على التكيف والمساهمة في تحمل أعباء المرحلة، و هي حالة مقرونة بغياب وجود آلية لإشراكهم و ادماجهم في المجهود الذي تقوده السلطات المحلية بشكل أساسي. كما تظل مسألة الولوج للعالم الرقمي هاجس أساسي فبالرغم من المجهودات التي قامت و تقوم بها بعض الادارات تظل مستويات الرقمنة جد متدنية و تظل فئات واسعة من المواطنين خارج التغطية الرقمية.
هذه الملاحظات الأولية، و التي من المؤكد أنها مدعوة لمزيد من الفحص والتمحيص، فإن يمكن تحويل تداعيات هذه الجائحة الى فرص يجب استغلالها و الاخذ بها لتقوية اقتصادنا على خلق العرض وتقوية الطلب، وتقوية النظم الاجتماعية وتوحيد اليات تنفيذها، والتدرج المعقول في تحريك عجلة الاقتصاد لمواجهة شبح الركود والتقليل من الضغط الاجتماعي.
وفي هذا الصدد، يمكن القول أن هناك اختيارات مستقبلية تستمد قوتها من مجموعة القيم والاخلاق للمغاربة حيث يجب استثمارها و تعزيزها بقوة لاجل النهوض والريادة لوطننا الحبيب.
وفي هذا الإطار، نقترح هذه التدابير والإجراءات التي نحاول من خلالها المساهمة في إغناء باقة المقترحات بالمنصة الالكترونية :
على مستوى أي برنامج اقتصادي بعد الأزمة :
إعادة رسم الخريطة الاقتصادية للمملكة وفق المتغيرات الحالية، و الأخذ بعين الاعتبارللمتغيرات التكنولوجية والتكتلات الجيوستراتيجية لتحديد القطاعات الاستراتيجية الأولى والقادرة على جر باقي القطاعات في سياق التنمية.
تحقيق التوازنات الماكرو اقتصادية بشكل توافقي مع المكتسبات الاجتماعية والرفاهية المجتمعية
جعل الالتقائية محورا أساسيا في وضع السياسات العمومية القطاعية و الترابية، و وضع مؤشرات قياس محددة قادرة على اقتصاد المال والجهد والوقت.
ترسيخ ثقافة المشروع من خلال وضع منهجية مضبوطة للتنفيذ وللتتبع والتقييم والمراقبة واعادة التوجيه
تعزيز الشراكة بين القطاعين العام و الخاص على أسس سليمة تحقق المنفعة العامة وترقى بالقطاع العام لمستوى الجودة المطلوب.
تقوية دور مؤسسات التتبع الرقابة: مجلس المنافسة، المجلس الأعلى للحسابات…
الاستمرار في خلق و تحديث وإصلاح وتحيين البنيات التحتية
خلق جيل جديد من الخدمات العمومية، الناجعة ومتاحة الولوج، المرتكزة على جودة الخدمة و نجاعتها.
وضع برنامج وطني بين قطاعي لإعادة تأهيل الطبقات الوسطى لما لها من دور في خلق التوازن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي داخل البلد ولما لها كذلك من وقع على الطلب الداخلي الذي يعتبره كل الاقتصاديين بمثابة “دينامو التنمية”.
إعطاء الأولوية للمقاولات الصغرى و المتوسطة من خلال الغرف الممثلة لها في برامج الدعم و المواكبة لما لها من دور في صناعة الطبقة الوسطى السالفة الذكر ولما لها من دور في ادماج شرائح المجتمع بفعل القرب.
تشجيع حاملي الفكر المقاولاتي على إنشاء مشاريعهم في مختلف جهات المملكة مع منح تحفيزات خاصة للمشاريع التي ستنجز بالمناطق البعيدة على كبريات المدن وكذلك في المناطق الفقيرة بكل الجهات.
تخليق الحياة الاقتصادية عبر تشجيع وخلق ثقافة تنافسية تقطع مع الاحتكار والامتيازات والريع.
وضع آليات فعالة للشراكة بين القطاعين العام و الخاص في مجال الاستثمار.
عقد وتفعيل شراكات مثمرة تمكن من جلب استثمارات داخلية وخارجية ونقل المعرفة والاستفادة من الخبرات والتجارب العالمية ؛
توفير إطار قانوني شامل يسمح للصفقات العمومية أن تقوم بدورها كاملا كرافعة للتنمية وخلق قيمة مضافة ومناصب شغل داخل المغرب.
القطاع التجاري:
العمل على إعداد مخططات مديرية للتجارة وتعزيز البنيات التحتية الجهوية لتنمية وتطوير القطاع التجاري في إطار الجهوية الموسعة.
وضع برامج تمويلية بشروط تفضيلية بشراكة مع صندوق الضمان المركزي تتماشى وخصوصيات التجار، و وضع تحفيزات ضريبية للتجار الراغبين في العصرنة و الرقمنة.
حث الجماعات الترابية على برمجة فضاءات الاستقبال الخاصة بالأنشطة الاقتصادية في تصاميم التهيئة.
وضع نظام للتغطية الاجتماعية يستجيب لتطلعات التجار ووضع صيغ اختيارية لنظام التقاعد.
وضع إطار قانوني منظم للتجارة المتجولة يسهل إدماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي المهيكل.
ملائمة و مواكبة الواقع التجاري من خلال إدماج الأنشطة الجديدة والمهن الحديثة، بتقنينها وتأطيرها.
العمل على الإدماج التدريجي للقطاع الغير المنظم في ميادين التجارة والصناعة والخدمات وذلك من خلال اتخاذ إجراءات عملية في الميادين الجبائية والتمويلية والتكوينية.
منظومة الضرائب و الجبايات :
مراجعة مدونة الضرائب و إصلاح النظام الجبائي الوطني و المحلي و توحيده مع ترشيده لخدمة التنمية الشاملة، و وضع سياسة ضريبية عادلة ببعد اجتماعي تنموي.
وضع سياسة جبائية عادلة ببعد اجتماعي تنموي ، وتوفيق بين توسيع الوعاء الضريبي والحد من الاعفاءات، والتحقيق من العبء الضريبي على الدخول.
إصلاح الجبايات المحلية وتقليل عددها وتفادي ازدواجية الإخضاع لنفس الوعاء بين الضريبة المحلية والضريبة المستحقة لميزانية الدولة.
العمل على ملائمة الجباية مع واقع النسيج المقاولاتي، الذي تشكل المقاولات المتوسطة والصغرى والصغرى جدا. مع تبني نظام ضريبي يتلاءم مع القدرات المحدودة للمهنيين الصغار.
اللوجيستيك والتبادل التجاري:
مراجعة الأهداف الوطنية للوجستيك لخدمة اهداف تنموية ترابية وقطاعية مع تشجيع الطبقات الوسطى السالفة الذكر.
إعادة النظر في وسائل النقل والمواصلات واعتماد تصور multimodal لما له من وقع إيجابي على الاقتصاد بشكل عام (الشبكة الطرقية، الخطوط الجوية، السكك الحديدية)
فك العزلة على العديد من الجهات في المجال البري عن طريق الربط بالأقطاب الاقتصادية المهمة بالطرق السيارة والسكك الحديدية، وفي المجال الجوي عن طريق الرفع من الرحلات الجوية الوطنية والدولية مما من شانه الرفع من وتيرة الاستثمارات.
تعزيز التوجه الوطني في مجال التكامل الاقتصادي الإفريقي ومواكبة المتعاملين الاقتصاديين قصد الاستفادة من فرص السوق الإفريقية وتطوير الخبرة الوطنية في قضايا التنمية الاقتصادية في إفريقيا وضمان الفعالية المؤسساتية من أجل حسن تنفيذ المقاربة الوطنية للسوق الإفريقية.
اعادة تقييم السياسة التجارية الخارجية للمغرب و مراجعة اتفاقيات التبادل الحر، وتشجيع المنتوج المحلي للحد من العجز التجاري.
دعم التصدير و المقاولات المصدرة و الرفع من قدراتها و تنافسيتها.
على مستوى التعليم في 2020:
وضْع مخطط وطنيّ للانتقال نحو اقتصاد المعرفة والابتكار. وينبغي أن يكون هذا المخطط منسجما مع الاستراتيجيات المعتمَدة، خاصة الرؤية الوطنية في مجال التربية والتعليم والاستراتيجيات القطاعية؛
التركيز على اقتصاد المعرفة و التقنيات الدقيقة وإدماج التكوين و البحث العلمي في بلورة نموذج مغربي قادر على الرقي بالموروث المحلي ليساير متطلبات العصر.
تشجيع الاقتصاد الأخضر و المستدام والعمل على إيجاد استخدام بديل ودائم للموارد الطبيعية.
– على مستوى الشباب هم المستقبل ولكن أي مستقبل:
تأهيل الثروة البشرية الشبابية ليكون في مستوى التحديات : التكوين و المهارات وأخذ بعين الاعتبار، التحولات الاجتماعية والصناعية والتجارية والمهنية التي يشهدها المغرب كتعبير عن الطفرة التكنولوجية والرقمنة والتواصل الالكتروني التي اكتسحت مختلف المجالات، و أفرزت مهنا جديدة ومهنيين من جيل جديد.
وضع آليات الالتقاء والتنسيق مع مؤسسات التكوين في سبيل تشجيع تشغيل الشباب و التمكين الاقتصادي للمرأة و الاقتصاد التضامني من خلال ادماج التكوين المقاولاتي والمقاول الذاتي في أنظمة التكوين والتعليم .
اعطاء الأولوية لتطوير و تنمية الرأسمال البشري وفق منضور يأخذ بعين الاعتبار التقدمات العلمية والتكنولوجية.
– على مستوى نتجوا كثر ولا نوزعوا حسن :
مراجعة مسألة الضمانات المادية من أجل انخراط أكبر للأبناك في تمويل الدورة الاقتصادية وذلك بالاعتماد بدرجة أولى على دراسات الجدوى ووقع المشاريع اقتصاديا واجتماعيا في تمويل المشاريع.
بدل مجهودات إضافية خاصة من طرف الأبناك المغربية لتمويل مشاريع المقاولات الصغرى والمتوسطة
التفكير في بلورة أبناك جهوية، كما هو الشأن في الكثير من البلدان الأوربية لما لها من حس ترابي في تشجيع الاستثمار الجهوي والمحلي.
أدخال المورث الغذائي والطبي والمعماري المغربي والمحلي مرحلة التصنيع خدمة للموروث من جهة وخدمة للاقتصاد الوطني من جهة ثانية.
تحقيق الاكتفاء الذاتي عبر تشجيع الصناعات الإحلالية في المجال الغذائي والطبي
تحديد رؤية تشاركية جهوية لصناعة السياحة و تشجيع أنواع السياحة البديلة القادرة على توفير منتوج متنوع وذو جودة عالية وعلى مستوى عال من الادماج: القروية، الثقافية، الرياضية، سياحة الأعمال…)
خلق مناطق صناعية تضامنية قادرة على ادماج المقاولات المتوسطة ومنحها وسائل المنافسة بفعل اقتصاد التكتل économie d’agglomération واقتصاد السلم économie d’échelle للترويج والاشهار والنقل وغير ذلك.)
تشجيع التصنيع المحلي من خلال أولا المحافظة على النسيج الصناعي المحلي الموجود حاليا وثانيا تحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة على خلق مشاريع صناعية .
دعم القدرة الشرائية للمواطنين لتقوية الطلب.
– على مستوى الصحة اولا :
المجتمع المغربي يتميز بهويته المتجدرة عبر التاريخ ولا يرضى بالمتوسط من الامور، لهذا لا ينبغي في ظروف مثل هذه الجائحة انتظار الآخر لإيجاد الحلول الصحية له، فعلينا تطوير منظومتنا الصحية والبحث الصحي بالاشتغال بمدأ المقاربة والمقارنة لانجح التجارب في الميدان: مثال المانيا وكوبا
وفي الختام شهد بلدنا الحبيب على مدى عقود نزاعات وتنافس سياسي بين عدة فرقاء أسفر كل مرة عن من يرأس الحكومة، ولكن لم يسبق لأحدهم أن أصدر قرارا مثل ما أصدره الملك محمد السادس نصره الله وأيده، حيث أبهرت قراراته التنفيذية في اتخاذ الإجراءات الوقائية ضد جائحة كورونا، العالم بأسره، فلهذا يجب الاقتداء والاشتغال برؤيته وإنتاج صانعي سياسة جدد قادرين على اتخاذ قرارات استراتيجية تعيد الحياة للاقتصاد الوطني مع احتواء الصدمات الناتجة عن هذه الجائحة وليس الركون للحلول السهلة والانتظارية، حتى يتسنى لنا استغلال الفرص التي اتاحتها هذه الازمة والخروج بنسخة اقتصاد جديد أفضل مما كان عليه.
الحسين بن الطيب