كورونا أظهرت فقط ما فينا
في زمن كورونا اصبح الخوف على الآخر أكثر منه من الآخر إيمانا منا من أن سلامة الآخر تؤدي الى سلامة الجميع.
فكأننا نكتشف فجأة وحدة المصير التي تجمعنا. تلك الحقيقة الأزلية التي كانت من المفروض ان تكون مرسخة في أذهاننا، والتي تناسيناها في هدا العالم الذي غلبت عليه الفردانية والنرجيسية وطغت فيه المصالح الداتية. فاصبحنا وللأسف و رغم بديهية الشيء، ندرك لأول مرة أن هذا الكوكب الذي نسكنه ما هو إلا مركب واحد يمس الجميع ما مسه.
فلا حماية اليوم لأنفسنا إلا نحن. فقد غلقت الحدود وأصبحت كل دولة تواجه مصيرها بامكانياتها وماعاد هناك إمكانية مفر،
فكل دولة وجب عليها توفير غداءها، و تمكين مواطنيها من رعاية صحية، وتوفير اللوازم الضرورية للحياة.
نعم كورونا أظهرت فقط ما فينا من إيجابيات وسلبيات. فكنا أحسن من الكثير من الدول وأقل من البعض. فالمغرب فضل صحة وسلامة شعبه على اقتصاده.
فحنكة وبصيرة ملك البلاد أبانت على إمكانية مقاومة هدا الضرف الاستثنائي واحتواءه. وكان دالك محط إشادة دولية بالمجهودات الاستباقية وبسرعة التنفيد التى تميز بها المغرب لموجهة هاته الجائحة.
ففي ضرفية توضح فيها ضعف القوات العظمى و إنغلاق الدول على نفسها، وعدم الالتزام بأتفاقيات التعاون الدولية، وغلبت القومية على الانسانية، قام عاهل البلاد و بمبادرة منه و لا شىء يلزمه، بدعوة دول أفريقيا إلى عمل جماعي واضعا تجربة بلاده الميدانية و دعمه في خدمة الأفارقة مبرزا مرة أخرى إيمانه العميق بضرورة التعاون المشترك. كان دالك في الوقت الذي أبان فيه الاتحاد الأوروبي عن عدم إتحاده و النظام الأمريكى عن هشاشته.
إن الشيء الوحيد الذي تشابهت فيه كل دول العالم على اختلاف قوتها و إمكانياتها هو الأيمان بأن الإجراء الأوحد للسيطرة على هذا الوباء يكمن في التباعد الجسماني، ما يعكس محدودية القوة الانسانية حيث أصبح الاختلاف الحقيقي ما بين الدول لا يتمتل في إمكانياتها الاقتصادية أو الطبية و الصحية، بقدر ما يتمتل في مدى تجاوب افراد مجتمعاتها مع هذا الإجراء. فأصبح منسوب الوعي المجتمعي هو الذى يميز دولة عن أخرى.
هذا المعطى يحيلنا على أهمية التعليم في المجتمعات، إعتبارا من كونه الركيزة الأولى لتقدمها. فالتلقيح الذي يبحث عليه الجميع يكمن فيه. حيث أثبت التعليم مرة أخرى أنه الفيصل. فالوعي و المعرفة هي من تضمن إستمرار المجتمعات عبر تحقيق كل مستلزماتها سواء كانت إقتصادية، إجتماعية، صحية، حقوقية، بيئية أو غيرها.
إن المتغيرات المتسارعة في كوكبنا تفرض علينا التفكير في أنماط جديدة من التعليم. فالتعليم لم يعد تحده أسوار المدرسة أو الجامعة، فبعد أن كان ولوجها ضرورة للتعلم أصبح اليوم التعليم يلج منازلنا وبسبل عدة (الإداعة التلفزة انترنيت). والدليل على دالك هاته الضرفية الحالية للحجر وما أبانت عليه في هدا السياق.
فاالتعليم عن بعد الدي فرضته ضروف كورونا، او بالأحرى أدت فقط الي التسريع لولوجه هو آت لا محالة. وحتى لو لم تفرضه هي سوف تفرضه السنين القليلة الآتية من منطلق أن أطفال و شباب اليوم و لدوا في رحم هدا الزخم التكنولوجي الجديد.
وإن أي دولة كيفما كانت وجب عليها أخد هذا المعطى بعين الاعتبار، زيادة على كون التعليم عن بعد سوف يساهم في الرفع من مستوى التعليم انطلاقا من كونه يخلق التنافسية وينبني على الانفتاح على مختلف المضامين الرقمية. هدا سوف يؤدي لامحالة الي الإهتمام أكتر بالجانب البيداغوجي، الدي كان وما يزال حبيس جدران القسم او المدرج ويصعب تقييمه حتى وإن وفرت لذالك كل الامكانيات المتاحة.
فرغم ميزاته فالتعليم عن بعد أو بأي طريقة أخرى مستقبلية يبقى فقط آلبة او أداة وليس غاية في حد ذاتها.
فأساس التعليم هو تدريب الإنسان على الحياة وكيفية مجابهة متغيراتها.
و هذا لا ينحصر فقط في الدراسة من أجل ولوج سوق الشغل و ضمان حياة كريمة، أو الحصول على شهادة لضمان قيمة إجتماعية.
فالتعليم أكثر من ذالك بكثير، فهو إنشاء الفرد لخدمة المجتمع و الانسانية.
و لن يتأتى ذالك إلا بأشباع روح المتعلم بالقيم السامية و السماوية بقدر تمكينه من المعارف و العلوم.
فشاهدنا مع كورونا إشادة كبيرة من المجتمع تجاه المبتكرين، و أهتمام كبير بأخبار العلم و العلماء، حتى و إن أنحصر ذالك في الجانب الطبى، فأن ثبوث أهمية البحث العلمى أصبحت من المسلمات و المتطلبات الملحة التى يدعو لها المجتمع، أو بالأصح كافة المجتمعات الانسانية.
فالعالم بأسره اليوم ينتضر علاجا بغض النضر عن جنسية الطبيب أو الطاقم الطبي، فالجانب الآخر الذى سوف يميز دولة عن غيرها لن يكون في قوة أقتصادها أو غناها أو نضامها السياسي أو غيره، و إنما سوف يكون في رأس مالها البشري و قوتها المعرفية، و مدى إعتمادها على القيم الكونية الحقة في تعاملها مع أقتصادها أو مجتمعها أو بيئتها. هاته القيم التي وجب أن يضمنها التعليم للفرد و المجتمع.
فالمغرب أدرك أهمية زرع هاته القيم في الفرد والمجتمع عبر الدعوة الى ضرورة مراجعة النظم التعليمية، حيت لم تخلو خطب صاحب الجلالة ولاسيما في هاته العشرية الأخيرة من توجيهات و دعوات للانخراط في التفكير والفعل من أجل إصلاح التعليم.
وعوض أن تكون جرأة جماعية نحو التغيير تعالت الأصوات و اختلفت الآراء من مشكك الى محافظ مرورا ممن ينتظرون فرض المزايدات الفارغة لبناء أمجاد واهية.
وفي الوقت الذي كان من المفروض أن يجمعنا فيه مافرقنا في غيره، اضاعت علينا جيوب المقاومة سنوات ثمينة لبدء خطة التغيير.
هاته الخطة التي لم تأت من فراغ، وانما بعد تدارس مستفيض أشرفت عليها مؤسسات عدة وعلى رأسها المجلس الأعلى للتربية و التكوين و البحث العلمي الدي أحدث لهذا الغرض برعاية ملكية سامية.
ولحسن الحظ أن قوة التغيير كانت أقوى، حيت إستطاع المغرب أن يحقق أول مكسب على طريق النجاح وهو وضع منضور إصلاحي شامل تجسد في قانون إطار يضبط كل الجوانب ويرسم الطريق الصحيح الذي يتوجب علينا ان نسلكه في السنوات الآتية لتحقيق تعليم دو جودة يسفيد منه كل شرائح المجتمع في إطار من الإنصاف وتكافؤ الفرص، وبهاجس التطوير المستمر للنمودج البيداغوجي المبني على زرع روح الإبداع و تشجيع الإبتكار.
هذا القانون الدي سوف يشرع في تنزيل مضامينه عبر قوانين تنضيمية إبتداء من هاته السنة يعد الفرصة التي لايجب ان نخلفها.
فانخراط المجتمع بكامل أطيافه يعد ضرورة ملحة حتى يتم بناء حقبة جديدة يكون شعارها \\\”التعليم عماد الوطن\\\”.
فاليوم الذي يؤمن فيه الجميع حقا بهذا الشعار و بعمقه آنذاك سوف يصبح التعليم دو أولوية كبرى.
ذاك اليوم سوف ترجع فيه القيمة للعلم والعلماء، سوف تجد أبناء هذا الوطن جميعا يساهمون في هذا البناء، بما فيهم دكاترة – اطباء – مهندسين أطر الجالية بالخارج والدين تجدهم بعدد كبير في كافة أطراف المعمور.
فالامكانيات المادية لم تعد عائقا للتعليم بقدر مايسببه قصور منضور التعليم عند البعض. فالدولة و رغم سعيها كل مرة إلى الرفع من سنوات الدراسة الالزامية، يبقى هذا غير كاف أمام ضرورة التحسيس بأهمية الشىء عبر الواقع الملموس.
فالقيمة التى يجب أن يحضى بها المتعلم و المكانة المتميزة التي يجب أن توليها له سوف تكون المفصل في التحفيز على الشىء.
فكورونا داهبة لا محالة، فإن كنا نهدف فقط إلى إرجاع عجلة الاقتصاد إلى سكتها و نراهن على نفس ما راهنا عليه سلفا، و نغفل عن قصد أو عن غير قصد بناء الفرد و إشباعه بالقيم و تمكينه من المعرفة، فسوف نكون أخلفنا موعدنا مع إصلاح حقيقي، مجتمعنا في حاجة ماسة له.
فالمعدن موجود فينا، ما تبقى إلا إخراجه و إعتماده منطقا للحياة.
فقيم التعاون و التكافل التى أبان عليها الشعب المغربي و التي ليست وليدة اليوم هو ذاك المعدن الذي أتحدث عليه.
ما أردت بهذا إلا التحسيس بأهمية الشيء في ضل متغيرات كونية تدعو إلى التفكير بإسهاب في كيفية تطوير التعليم. فمهما أقترح الفرد من حلول تبقى قاصرة أمام التفكير الجماعى الذى تفرضه أهمية الموضوع.
فالتعليم لا يحده إلا شىء واحد و هو الجهل و مقاومة التغيير و الانكماش على الدات و دعم الأفكار الرجعية.
فأما العقل فلا حدود له فإن أردته بحرا كان، و إن أردته نهرا كان، و إن أردته أرضا قاحلة كذالك كان.
فحزب التجمع الوطني للأحرار و وعيا منه بأهمية هذا الأمر و إنعكاسه المباشر على الوطن و المجتمع، أبآ إلا أن يجعله واحدا من الاولويات الثلاث مع الشغل و الصحة في مشروعه مسار الثقة.
هاته الوثيقة التى هي ثمار تفكير جماعي، شارك فيه كل مناضلات و مناضلي الحزب، حملت من الأفكار و التدابير من هي على مستوى عالي من الأهمية.
هذا لا يمنعنا من أن نتسائل، و نحن في هاته الضرفية الاستثنائية و ما أبانت عليه من أمور عديدة على أهمية تحيين هاته الوثيقة من عدمه بما جادت به علينا كورونا من دروس.
و ختاما، لا أحتاج للدفاع على أن يكون التعليم هو الاولوية في هذا المشروع.
فأن كان التعليم أمر إلاهي، و هو أول أمر جاء لأمتنا \\\”بأقرأ\\\”، مبينا لنا الله سبحانه و تعالى من خلاله بأن الأمية ليست عائقا، وأن التغيير مفروض علينا فى هذا الأمر، و ليس أختياريا، و أن التعلم هو أولوية الاولويات.
فكيف مع هذا كله و لن يكون أولوية التجمع.